الوقت
الرابعة عصراً . سيارات الإسعاف تدق أبواقها معلنة عن حالات الممرضين
يهرعون مسرعين إلى البوابة لاستقبال الجرحى الممرضات يقفن في الأروقة على
أهبة الاستعداد لتلقي الأوامر والتعليمات .
مرت
النقالات واحدة تلو الأخرى إلى قسم الطوارئ الأطباء يباشرون عملهم بسرعة .
الدكتور مجدي يصدر أوامره انقلوا هذين الاثنين إلى غرفة العمليات الكبرى
أما هؤلاء إلى غرفة العمليات الصغرى سريعاً انقلوا الدم حسب الفصائل
المسجلة هذه من البنك والمتطوعين . ضعوا كل المحتويات في صندوق الأمانات .
الممرض عادل هذا الكيس الصغير مبلل بالدم بكامله يا دكتور , كانت ابتسام مقبلة تحمل
القطن المبلل بالمطهر وقعت نظراتها على الكيس أسرعت تحمل صندوق القطن إلى
عادل أخذت الكيس صرخت صلاح إنه لصلاح ضمته إلى صدرها باكية , أقترب منها
الدكتور مجدي قائلاً : من هو صلاح ؟؟ اهدئي ياإبتسام ,
ربت
على كتفها وقال لها : لا تخافي سيكون بخير هو وزملائه ساعات ويخرج من غرفة
العمليات واصلي عملك أمامنا مهام جسيمة وعادت ابتسام تواصل عملها ودموعها
لم تنقطع وقلبها معلق بغرفة العمليات ومرت الساعات بطيئة قاسية امتصت وجهها
الجميل . انفتح الباب باب غرفة العمليات خرجت نقالتان يتبعهما الجراح إلى
قسم الترقيد ليطمئن على المصابين ويصدر توجيهاته للمرضين . اقتربت ابتسام
من السرير نظراها تسبقها إليه وقلبها يرتجف خوفاً ها هو صلاح التصقت
بالسرير وضعت يدها بحنان على صدره المربط كل جسمه مربط لم يبقى إلا عينيه
المغمضتين وشفتيه كل شيء يغطيه الشاش الأبيض باحتراق الألم الموجع بكت وبكت
واقتربت من زميله الآخر , يا الهي لا شعر ولا عينين وو...ووضعت ناهد يدها
على كتف زميلتها قائلة تماسكي واصمدي مثلهم يا ابتسام انهضي , وأجلستها على
كرسي قائلة : من المؤكد أنهم تعرضوا للغم إنهم مازالوا تحت تأثير البنج
سيكونون بخير إنشاء الله قالت ابتسام اذهبي يا ناهد واصلي عملك إنني لا أحس
بقدمي إنني عاجزة عن المشي قالت ناهد لابأس ارتاحي قليلاً , وذهبت لتواصل
عملها تحركت ابتسام بالكرسي إلى جانب صلاح تناجيه بهدوء وهو مغمض العينين
بهمس حزين والعبرات تشق صدرها قائلة افتح عينيك حبيبي لتحملني إلى أوجاعك
لعلني أخفف عنك وأحمل عنك افتحها كلنا فداء لها تلك المولودة التي تخضر
بحضنها كل يوم مدينة ويحيا شعب لكن حبي لك قاسم حبها الأماني افتح عينيك
حبيبي لعل روحي الهائمة تحت طيات الشاش تعود الهي افتح فمك كلمني فياما
تكلمنا عن أحلامنا وبنينا قصوراً للأماني صلاح صلاح سمعت آهة تنطلق من بين
شفتيه نهضت آملة في المزيد وفي الصحوة وضعت قطرات من الماء بين شفتيه
تبللها لكن جسمه المغطى بالشاش اهتز في ارتعاشة استمرت لحظات بعدها هدأ
فتحت فمها لتصرخ لم يخرج صوتاً حاولت وحاولت ثم سقطت مغشياً عليها أسرع
الممرضون يسعفونها ويضعون الغطاء على وجه صلاح , لقد أسلم الروح دون أن
يفتح عيناه وتتزود منهن بالنظرة الأخيرة لقد بقيت عينيه مغمضتين على الحب
الكبير حب الوطن الذي من أجله انطفأ بريقهن لن تمزق الشظايا ذلك الحب مثلما
مزقت جسده . بعد أيام استعادت ابتسام صحتها لتواصل عملها ولكنها مكسورة
الفؤاد حزينة تحملها الذكريات بين لحظة وأخرى لأيام جميلة ورائعة عاشتها في
ربوع حبها لصلاح . كان المصابون بعضهم بدأ يتكلم والبعض الآخر لم يزل في
غيبوبة اقتربت من كمال وضعت يدها على يده قائلة والدموع تساقط من عينيها
سلامتك سلامتكم جميعاً قال لها بصوت متعب خافت الله يسلمك يا أختي لا تذرفي
دمعاً مادام هناك نصر قالت ابتسام : ليس بيدي هذه الدموع لقد فقدته لقد
ودعته دون أن يفتح عينيه .قال كمال : من يا أختي ؟
لقد كان هو في غيبوبة عند موت صلاح .
قالت : صلاح . صلاح عبد الواحد .
قال كمال : رحمة الله عليه انه زميلي كان بطلاً لقد أصبنا في موقع واحد ونحن نؤدي مهمتنا .
قالت ابتسام : استمر تكلم .
قال
كمال : كنا ثلاثة أنا وصلاح ومهدي مهمتنا تأمين خط العبور بالدبابة أذكر
آخر كلمات صلاح التي سمعتها هي : (( فلنتقدم ليس هناك وقت )) لكن فجأة
سمعنا انفجار ولم نعد نعرف شيء .
نهضت
ابتسام لتواصل عملها قائلة : رحمه الله سأواصل عملي وأمر عليكم بين لحظة
وأخرى وخرجت تحمل القطن المبلل بالمطهر وتحمل جرح الفراق وحب الوطن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق